تكنولوجيا العقارات أو "البروبتك"... أفاقٌ واسعة ترسم عالم العقارات

Sat, 29 Jun, 2019
تكنولوجيا العقارات أو "البروبتك"... أفاقٌ واسعة ترسم عالم العقارات

لا زال مُصطلح تكنولوجيا العقارات أو ما يُعرف بـ "البروبتك" قليل الاستخدام إلى حدٍ ما في منطقتنا العربية، لكن كعهدنا بالتغييرات والتحولات التكنولوجية في مجالات أخرى، فإنها تحدث فجأة وبوتيرة متسارعة، ولذلك من المتوقع أن يحتل التقدم التكنولوجي والحلول الذكية العصرية مكاناً كبيراً في قطاع العقارات قريباً، الأمر الذي سيؤثر بشكل جوهري على واقع القطاع بالكامل، من البناء إلى إجراء صفقات البيع والتسليم.  ومما يؤكد ذلك توقعات تقرير شركة "بي دبليو سي" الأخير الذي صدر بعنوان "تمكين التحول الرقمي من خلال البروبتك".

وكالمعتاد تتصدر دولة الإمارات أي عمليات تحول تكنولوجي ذكي في المنطقة. وكما نعلم جميعاً أنه في 22 مايو 2013، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة الحكومة الذكية من أجل توفير الخدمات للجمهور بشكل يتوافق مع حاجات العصر. ورأينا إقبالاً كبيراً من قبل سكان الدولة على استخدام هذه التقنيات الذكية وتفضيلها على الأساليب التقليدية، وبالتالي فإن ذلك يقودنا إلى توقع مفاده أن فئات الجمهور المختلفة داخل الإمارات أصبحت معتادة بشكل يومي على التحولات الرقمية، بل وأصبحت الخدمات الرقمية هي المفضلة لديهم بسبب سرعتها وسهولتها.  وبالتالي، فإن على شركات العقارات قراءة هذا الواقع وتقبله والتأقلم معه بطريقة مدروسة تساعد في تطوير القطاع، خصوصاً وأنه من أهم القطاعات الاقتصادية تأثيراً في اقتصاد الإمارات، وأحد أهم القطاعات المؤثرة في خطط الدولة لبناء اقتصاد بعيد عن النفط.

وقد بدأت دائرة الأراضي والأملاك في دبي قيادة عملية التحول الرقمي في قطاع العقارات منذ عامين تقريباً، ففي العام 2017 أطلقت الدائرة تقنية "سلسلة قواعد كتل البيانات" والمعروفة بسلسلة "البلوك تشين". ووفقاً لموقع الدائرة "تُعتبر هذه السلسلة بمثابة قاعدة بيانات موزعة تحافظ على القائمة المتزايدة من السجلات التي يطلق عليها اسم الكتل، وتتم المحافظة عليها وحمايتها من العبث والتغيير. وتحمل كل كتلة طابعاً زمنياً ورابطاً مع الكتلة السابقة. وبفضل طريقة تصميمها، تتمتع سلسلة قواعد كتل البيانات بطبيعتها بالقدرة التي تؤهلها للحيلولة دون إجراء أي تعديل على البيانات حالما يتم تسجيلها. لذا لا يمكن تغيير البيانات في أي واحدة من الكتل المخزنة سابقاً. قامت دائرة الأراضي والأملاك بتوظيف البلوك تشين في ثلاث مبادرات (التحقق من شهادة الملكية، بيع العقارات، وإجراءات التأجير) تستهدف تحسين تقديم الخدمات وتحسين التعاون مع الأطراف الأخرى المعنية في سوق العقارات وخلق أصول رقمية آمنة".
وإلى جانب ذلك، تعتمد الدائرة توفير كافة المعلومات، والطلبات، والسجلات، والنماذج الخاصة بالعقارات على موقعها الإلكتروني، إذ تسمح بتقديم الطلبات والنماذج إلكترونياً، بالإضافة إلى إطلاقها 4 تطبيقات ذكية خاصة بمساعدة الجمهور وهي: تطبيق الخارطة الاستثمارية الذكية، وتطبيق إيجاري، وتطبيق التصرف العقاري الذكي، وتطبيق القاضي الذكي.

وفي مجال عمل الشركات العقارية، بإمكاننا الاستفادة من هذا التوجه على أكثر من صعيد:

أولاً: تقديم خدمات العملاء إلكترونياً:

رأينا توجهاً كبيراً بين صفوف الجيل الشاب لاعتماد استخدام الخدمات الإلكترونية، خصوصاً داخل دول الإمارات التي تتجه، وكما ذكرت سابقاً، نحو الخدمات الذكية سواء على صعيد الحكومة أو الشركات الخاصة. وفي ظل هذا التقدم الإلكتروني المتسارع في مجال خدمة الجمهور، أصبح على شركات العقارات التأقلم أيضاً في تقديم خدماتها بشكل سهل وسريع باستخدام التطور التكنولوجي.  ويأتي إطلاقنا لمنصة "هالو داماك" خلال عام 2018 في إطار وعي الشركة بأهمية التحول إلى تقديم الخدمات رقمياً من أجل توفير تجربة مختلفة لعملائنا تتماشى مع توجهاتنا في بناء أسس للتواصل بكل سرعة وسهولة مع كل عميل، وتقديم كل أنواع الخدمات التي قد يحتاج إليها بكبسة زر.
ثانياً: جمع وتخزين البيانات وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي:
مما لا شك فيه أن البيانات تحتل في وقتنا الراهن قيمة وأهمية كبيرة في كافة مجالات العمل، فمع وجود البيانات الدقيقة تصبح الشركات أكثر قدرة على اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات الصحيحة، الأمر الذي يؤثر بالطبع على معدلات النمو.
ولا يختلف القطاع العقاري عن غيره من القطاعات في هذه النقطة، إذ يُجمع الخبراء على أن التحولات الرقمية المرتبطة بمجال جمع وتحليل البيانات ستسهم في إحداث نقلة نوعية لجعل بيئة القطاع العقاري أكثر شفافية وفاعليّة، إلى جانب جعل معالجة عمليات التداول في القطاع العقاري أكثر سهولة، وهو ما سيؤدي إلى إعادة تصميم وتغيير الدور التقليدي لكل الأطراف العاملة في هذا القطاع، كما سيساعد في وضع توقعات مستقبلية لسوق العقار خصوصاً من ناحية فهم طبيعة الجمهور، وحاجاته التييبحث عنها.

وبالطبع أينما حل الحديث عن البيانات في التحول الرقمي، يأتي الحديث عن الذكاء الاصطناعي المستخدم عادة لتحليل هذه البيانات وتصنيفها لتقديم الشرح اللازم، والخروج باستنتاجات تساعد صناع القرار. وباستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، بإمكاننا تحليل السوق ومعرفة عوائد الاستثمار في المناطق المختلفة، وكذلك التعرف على العملاء المحتلمين والوصول إليهم. أما على صعيد العملاء، فسيصبح بإمكانهم استخدام نماذج معينة وقواعد بيانات تحسب قيمة الممتلكات وإجراء المقارنات مع عقارات أخرى إلكترونياً، فيساعده على اختيار الصفقة الأفضل بالنسبة له، والتي ستوفر له العائد الاستثماري المرغوب في المستقبل.
لكن التحدي هنا أننا لا نملك حتى الآن قاعدة بيانات موحدة تساعد العاملين في قطاع العقارات، ولذلك نسعى في داماك العقارية التي توفر العديد من الخيارات مثل شقق للبيع في دبي و فلل للبيع في دبي إلى توسيع قاعدة البيانات من أجل مساعدة الإدارات على اتخاذ قرارات الاستثمار، وتوفير خدمات عالية المستوى للجمهور تلبي احتياجاته. ولتحقيق ذلك نقوم حالياً بتخزين المعلومات بأسلوب تكنولوجي عصري، يوفر بيئة عمل سهلة وسلسة لكل طاقم العمل في الشركة على مختلف الإدارات.

ثالثاً: الطائرات بدون طيار والروبوتات:

قد يعتقد البعض أنه من السابق لأوانه الحديث عن استخدام الطائرات بدون طيار والروبوتات في قطاع العقارات، لكن مع التغيرات المتسارعة التي نشهدها اليوم اعتقد أننا أصبحنا على قاب قوسين أو أدنى من رؤية هذا النوع من الأجهزة الإلكترونية تقتحم مجال العمل في القطاع العقاري. ولن أندهش إن رأيت قريباً طائرات بدون طيار تقوم بعمليات تفتيش دورية لضمان سلامة المباني وكشف أي خلل في أجهزتها الحيوية.  
أما الروبوتات فمدى استخدامها في مجال العقارات واعد، ومن يدري فقد نرى قريباً رجل الأمن في المباني والمجمعات السكنية أصبح رجلاً آلياً، أو أن يتم تعيين روبوتات للقيام بعمليات الصيانة الروتينية، أو مثلاً نرى روبوتاً يقوم بمهمة وكيل عقاري يرشد العملاء على أماكن وجود عقارات للبيع أو التأجير، فيقوم الروبوت بأخذ العميل في جولة استكشافية، ويسجل رأي العميل في كل عقار. وفي مجال البناء وتعمير مشاريع عقارية جديدة في دبي، فقد نرى إقحام الروبوتات في مجال البناء خصوصاً في الدول التي تواجه نقصاً في الأيدي العاملة، أو تلك التي تحتوي على أيدي عاملة باهظة الثمن.

رابعاً: الطباعة ثلاثية الأبعاد:

غيرت الطباعة ثلاثية الأبعاد قطاعات مختلفة، ومن المتوقع جداً أن تدخل هذه التقنية عالم العقارات فتُبدل حال بناء العقارات والتعمير. ومن الجدير بالذكر هنا أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كان قد وضع خطة مفصلّة وطموحة لاستراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد. ومن المعروف للجميع أن الطباعة ثلاثية الأبعاد تختلف عن عملية البناء التقليدية بسرعة التنفيذ وانخفاض التكاليف، وهذا يعني توفر عقارات بأسعار معقولة فيزداد عدد الفئات القادرة على شراء العقارات، مما قد يُحدث انتعاشاً ملحوظاً في السوق.

خامساً: الواقع الافتراضي والواقع المعزز:

إن استخدام هذه التقنية يمكن أن يبدأ من مرحلة التخطيط للمشروع العقاري وحتى مرحلة بيعه للمستثمرين، فتصميم المنشآت بتقنية الواقع الافتراضي، واختبار الحياة فيها قبل بنائها سيساعد صناع القرار في شركات العقار على اتخاذ قرارات أكثر دقة عند تصميم المشاريع، وبالتالي اكتشاف كل نقاط الضعف وتطويرها قبل انطلاق عمليات البناء، وهذا بالتأكيد سيعود بالفائدة على النتيجة النهائية.
وفي مجال بيع العقارات، فقد دخلت التقنيات الحديثة هذا المجال منذ مدة عبر توفير منصات رقمية تزود العملاء بإمكانية اختبار العقارات المتنوعة واختيار العقار الأنسب لهم. وليس هذا فقط، بل رأينا قيام بعض الشركات العقارية بتوفير فرصة تجربة وضع الأثاث في المنزل عبر تقنية الواقع المعزز، والتي تربط بين الواقع والفرضيات، وبهذا أصبح بإمكان المشتري اختبار شكل الأثاث الذي يخطط لشرائه داخل غرف وحجرات البيت الجديد قبل شراء العقار أو حتى الأثاث.
وفي مجال جديد ومختلف لاستخدام الواقع الافتراضي في مجال بناء العقارات، بدأت شركة "داماك" في توفير تدريب عملي بتقنية الواقع الافتراضي للعمال يحاكي تعرضهم للمخاطر أثناء العمل في مواقع الشركة الإنشائية، الأمر الذي يوفر للعمال فرصة اختبار الخطر وتحديد آليات التعامل معه وتجنبه.

والآن، ما الطريق الصحيح لتحقيق التحول التكنولوجي بسلاسة؟

إن إحداث التغيير بالشكل المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوّة من التحول الرقمي في مجال قطاع العقارات يجب أن يتم بطريقة مدروسة تساعد العاملين في القطاع والعملاء معاً على تقبُّل التحول وفهمه بكل سلاسة ومن دون أي معوقات. ولتحقيق ذلك علينا اتخاذ إجراءات محددة، والقيام ببعض الدراسات التي تحلل الوضع الحالي، وتسلط الضوء على التقدم الذي يمكن إحرازه عبر أتمتة العمليات بكل دقة، وبعد ذلك نبدأ في وضع خطة زمنية للتغيير. ولا ينتهي الأمر بإحداث التغيير، بل على الشركات القيام بعمليات مراجعة دورية لكل التغيرات التي تمت حتى تبقى على تواصل مع السوق والاتجاهات التكنولوجية المتغيرة، وتواصل تبنّي تقنيات جديدة على نحو صحيح يساهم في تطوير بيئة من المفكرين المبتكرين.